[size=24]ذهب طائفة من أهل العلم إلى أن جهاد أعداء الأمة من اليهود والأمريكان الذين يغتصبون أراضي المسلمين ليس واجباً ، بل هو قتال فتنة وأن من قتل فيه لا يعد شهيداً وحجة هؤلاء : أن المسلمين في هذا الزمان لا إمام لهم 0 فما نصيب هذا الكلام من الصحة 0
الصحيح أن هذا القول لا أصل له بإجماع الأئمة وسلف الأمة بل هو قول ظاهر البطلان معارض للنصوص القطعية والأصول الشرعية والقواعد الفقهية ومن ذلك:
1) أن النصوص القرآنية والأحاديث النبوية التي تأمر بالجهاد في سبيل الله ليس فيها اشتراط شيء من ذلك بل هي عامة مطلقة والخطاب فيها لعموم أهل الإيمان والإسلام كما في قوله تعالى: (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم) وقوله (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون) وكما في قوله صلى الله عليه وسلم ( جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم) قال ابن حزم الظاهري في [ المحلى 7/351 ] : " قال تعالى وقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك) وهذا خطاب متوجه إلى كل مسلم فكل أحد مأمور بالجهاد وإن لم يكن معه أحد" . وقال ابن قدامة في [ المغني 10/364 ] : "الجهاد فرض على الكفاية ... الخطاب في ابتدائه يتناول الجميع كفرض الأعيان ثم يختلفان أن فرض الكفاية يسقط بفعل بعض الناس له وفرض الأعيان لا يسقط عن أحد بفعل غيره ".
وقال العلامة عبد الرحمن بن حسن بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب: "ولا ريب أن فرض الجهاد باق إلى يوم القيامة والمخاطب به المؤمنون فاذا كانت هناك طائفة مجتمعة لها منعة وجب عليها أن تجاهد في سبيل الله بما تقدر عليه لا يسقط عنها فرضه بحال ولا عن جميع الطوائف " [ الدرر السنية 7/98 ].
2- من المعروف أن الجهاد نوعان : الأول : جهاد طلب العدو في أرضه ، وهذا النوع لا يشترط لصحته وجود الإمام ، وإذا وجد فإن استئذانه واجب لا شرط صحة فيأثم من جاهد دون إذنه، وجهاده صحيح، فإن لم يكن هناك إمام أو فقد أو قتل فإن هذا الجهاد لا يتعطل، قال ابن قدامة في المغني 10/375: (فإن عدم الإمام لم يؤخر الجهاد لأن مصلحته تفوت بتأخيره وإن حصلت غنيمة قسمها أهلها على موجب أحكام الشرع) 0
وكذا إذا كان الإمام موجوداً إلا أنه تعذر، على أهل الجهاد استئذانه فإن لهم أن يمضوا دون إذن الإمام مراعاة للحاجة، قال ابن قدامة في [ المغني 10/390 ]: " لا يخرجون إلا بإذن الأمير لأن أمر الحرب موكل إليه إلا أن يتعذر استئذانه لمفاجأة عدوهم لهم فلا يجب استئذانه لأن المصلحة تتعين في قتالهم والخروج إليهم لتعين الفساد في تركهم "
أما النوع الثاني: وهو جهاد الدفع عن أرض المسلمين فالأمر فيه أوضح وأجلى إذ لا يشترط له أي شرط إطلاقاً بل على كل أحد الدفع بما استطاع فلا يستأذن الولد والده ولا الزوجة زوجها ولا الغريم غريمه، وكل هؤلاء أحق بالإذن والطاعة من الإمام، ومع ذلك سقط حقهم في هذه الحال إذ الجهاد فرض عين على الجميع فلا يشترط له إذن إمام فضلاً عن وجوده، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في [ الفتاوى المصرية 4/508 ]: " أما قتال الدفع عن الحرمة والدين فواجب إجماعاً فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفع فلا يشترط له شرط بل يدفع بحسب الإمكان" وقال أيضاً: " وإذا دخل العدو بلاد الإسلام فلا ريب أنه يجب دفعه على الأقرب فالأقرب إذ بلاد الإسلام بمنزلة البلدة الواحدة وانه يجب النفير إليها بلا إذن والد ولا غريم "0 وقال ابن عطية في تفسيره: "الذي استقر عليه الإجماع أن الجهاد على كل أمة محمد صلى الله عليه وسلم فرض كفاية فإذا قام به من قام من المسلمين سقط عن الباقين إلا أن ينزل العدو بساحة الإسلام فهو حينئذ فرض عين" [ تفسير القرطبي 3/38 ].
وهذا هو معنى كونه فرض عين فلو كان يشترط له شروط صحة كوجود إمام أو إذنه لما كان فرض عين في حال هجوم العدو على المسلمين وهو ما لم يقل به أحد من علماء الأمة ولذا قال الماوردي: "فرض الجهاد على الكفاية يتولاه الإمام ما لم يتعين" .
3- أن كتب الفقهاء قد نصت في كتاب الجهاد على شروط وجوبه وعلى من يجب ومتى يتعين وليس فيها نص على اشتراط وجود الإمام أو وجود الراية، وقد ثبت في الحديث الصحيح ( ما بال أقوام يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله من اشترط شرطاً ليس في كتاب الله فهو باطل). وقد قال العلامة عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب في بيان بطلان هذا الشرط: " بأي كتاب أم بأي حجة أن الجهاد لا يجب إلا مع إمام متبع؟ هذا من الفرية في الدين والعدول عن سبيل المؤمنين والأدلة على بطلان هذا القول أشهر من أن تذكر من ذلك عموم الأمر بالجهاد والترغيب فيه والوعيد في تركه" [ الدرر السنية 7/97 ].
وقال صديق حسن خان في [ الروضة الندية (333) ] عن الجهاد: "هذه فريضة من فرائض الدين أوجبها الله على عباده من المسلمين من غير تقيد بزمان أو مكان أو شخص أو عدل أو جور" .
4- وقد استدل كثير من العلماء على عدم اشتراط وجود الإمام بقصة الصحابي أبي بصير وجهاده المشركين بمن معه من المؤمنين وقطعهم الطريق عليهم حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم في شأنه (ويل أمه مسعر حرب لو كان معه رجال) ولم يكن أبو بصير تحت ولاية النبي صلى الله عليه وسلم ولا في دار الإسلام ولم يكن إماماً ولم تكن معه راية بل كان يغير على المشركين ويقاتلهم ويغنم منهم واستقل بحربهم ومع ذلك أقره النبي صلى الله عليه وسلم وأثنى عليه، قال عبد الرحمن بن حسن تعليقاً على الحادثة : "فهل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أخطأتم في قتال قريش لأنكم لستم مع إمام سبحان الله ما أعظم مضرة الجهل على أهله؟) [ الدرر السنية 7/97]
وفي الختام يجب أن أنوه : إن هذا الكلام لا يعني أننا ننقل من أهمية وجود الإمام الذي يقود الأمة ، فإقامة الإمام واجب على الأمة كوجوب إقامة الجهاد فيجب على المجاهدين أن يقيموا إماماً منهم إن لم يكن هناك إمام عام، وليس وجود الإمام شرطاً في وجود الجهاد، بل العكس هو الصحيح إذ إقامة الجهاد شرط لصحة إمام الإمام، فلا إمام بلا جهاد، لا أنه لا جهاد بلا إمام ، فمعلوم أن أول واجبات الإمام حماية البيضة وإقامة الدين فإن كان عاجزاً عن الجهاد وحماية الأمة والملة فقد خرج عن أن يكون إماماً بل صار وجوده وعدمه سواء، وقد جاء في الصحيح: (إنما الإمام جنة يقاتل من ورائه ويتقي به) 0
فيجب إقامة الإمام ليكون جنة ووقاية يحمي الأمة ويحفظها وتقاتل الأمة من ورائه، فإن صار جنة للعدو لم يكن قطعاً إماماً للمسلمين في حكم الشارع، وإن كان إماماً بحكم الأمر الواقع ، كما هو حال كثير من زعماء الأمة
فما أحوج الأمة إلى إمام عادل زاده الله بسطة في العلم والجسم يقاتل بهم في سبيل الله ويحرر الأرض والإنسان 0
اللهم ابعث لهذه الأمة إماماً مسلماً يصحح لها المسار ويغسل عنها العار ، برحمتك يا عزيز يا غفار 0