[color=red]يصرّ أكثر من مسئول في حكومة غزة: أن الأوضاع المالية لحكومته مستقرة،
وأن الحكومة في غزة لا تشكو ضائقة مالية
، وأن الحال عال العال، وقد تم صرف الرواتب في موعدها دون تأخير، وأن الحكومة تغلبت على الضائقة المالية.
رائع؛ ويتمنى شعبنا لحكومتكم سعة الرزق، وحسن التدبير، ولكن اسمحوا لي بسؤال: ما العيب في الفقر؟
وما يضير حكومتكم لو كانت فقيرة، وغير قادرة على تسليم الرواتب لموظفيها؟ أليس هذا دليل صدق، وشهادة طهارة
لسلاح المقاومة؟ ألا يعني ذلك أن حكومتكم محاربة من أمريكا وإسرائيل؟ أم تحسبون أن الناس أغبياء لا تعرف أن
أمريكا قد دهنت جلد حكومتكم باللون الأسود الذي اختارته إسرائيل؟. العيب في العيب يا حماس، ولا عيب في عدم قدرتكم
على تدبير أموركم المالية، ولاسيما أنكم في حصار، والتزمت البنوك العربية والفلسطينية بالقرار الأمريكي، ولا
يتعاملون معكم لأنكم ترفضون الاعتراف بإسرائيل، ولأنكم ترفضون شروط الرباعية، وهذا معروف للناس، ومعروف
أنكم لا تمتلكون مطابع للدولار، واليورو، ولا موارد طبيعية في غزة، وليس فيها إنتاج معد للتصدير؛ ولا نفط، ولا قطن
، ولا قصب سكر، ولا أرز، غزة رمال وبحر ورجال، وهي أصغر من حي شبرا الخيمة في القاهرة، وهي بحاجة إلى
كل شيء، بينما يهرس عظمها حصار تنهار لها دول عظمى، وتخافه إمبراطوريات، ومع ذلك تصمد غزة في عامها
الرابع.
سأذكر الجميع بجملة: متى كان الفقر عيباً؟ ومتى كان الجياع والحفاة يفرطون بشرفهم؟ وقد شهد أغلبكم سنوات
الخمسينات والستينات من القرن العشرين، تلك الأيام الأولى من اللجوء، عندما كانت غزة تفتش عن لقمة الخبز في
مراكز الأمم المتحدة، وعندما كان مصدر التغذية الوحيد الذي يتذوق فيه الناس طعم الزفر هي مراكز الأونروا، وعندما
كان مصدر اللباس الوحيد هو "الصرة" التي توزعها مراكز الأونروا، وكانت العودة إلى فلسطين هي الحلم، وكان
الشعار هو: فلسطين لنا. فهل فرّط بالشعار جائع، أو حافي، أو عاري؟. الذي فرط بفلسطين، واعترف بأغلبها وطن
اً لليهود هو الشبعان من راتب التسول، الذي يخاف من سيرة المقاومة، ويخجل أن يقال عنه: فقير. ويخاف من لدغة الجوع.
الفقر كرامة يا حماس، والجوع إرادة الرجال، وقلة الرواتب هي الوطن، وتجوع الحرة ولا تأكل من ثديها، فارفعوا رؤوسكم، وتفاخروا بأنكم محاصرون، وأنكم محاصرون لأنكم متمسكون بالثوابت الفلسطينية. وأنكم تطبقون عملياً كلمات الشاعر الفلسطيني توفيق زياد الذي غنى معه كل قادة الثورة الفلسطينية الشهداء:
سنجوع ونعري قطعاً نتقطع، ونسف تراك يا أرضاً تتوجع،
سنجوع، ونعرى، لكن لن نركع.[/color]